في يوم غائم جميل من أيام عروس البحر ذات الأجواء الربيعية الشتوية التي تعد على الأصابع في كل عام… ذهبت أنا وزوجتي وابنتي إلى كورنيش جدة لنودع الشمس التي اختبئت بإستحياء خلف السحب الزرقاء إيذانا بإنتهاء ذلك اليوم… لتسمح للقمر بأن يعلن عن ليلة جديدة… سبحان الخالق العظيم!

الشروق والغروب منظران أعاهد نفسي كل يوم على أن لا أضيعهما، إلا أنني انكث العهد في كل مرة ناسياً قول الفيلسوف المغمور كريستوف: “ما فائدة الفجر… إن لم نستيقظ!”

هناك قاعدة يرددها المتأملون في الأكوان تساعدنا على تذكر إرتباط كل شئ بكل شئ:

“كما في الأعلى كذلك في الأسفل”

فغروب الشمس وشروقها ما هو إلا إنعكاس لغروب وشروق مصغر يحصل داخلنا… ليبقينا على تناغم تام مع كل ما خلق الله في كونه… تودع فيه الشمس يومها بكل أفراحه وأتراحه، غير مكترثة بما حصل فيه أو بنتائجه… وكأني بها تقول: “هو يوم وانقضى ولن يعود… فعش لحظتك ولا تحزن على ما فات أو تخف مما هو آت!”

 shutterstock_12820012-899x600

جلست أتأمل منظر الشمس الخلاب وهي تغوص في البحر مستشعراً أخذها لكل ما حصل في يومي…. حتى قطع تأملي صوت صبا وهي تصرخ “فاااااار يا بابا فاااار!”

نظرت إلى حيث تشير وإذا بجرذ بحجم قط صغير… يسير بترنح بعد أن أعيته مصارعة أموج البحر الأحمر العاتية… سار حتى استقر في مكانه وكأنه يأخذ أنفاسه الأخيرة… جلسنا نراقبه ونحاول هزه بعود تارة وحصى صغيرة تارة أخرى عله يتحرك ليبتعد عن الموج الذي كشر عن أنيابه واستعد لإلتهامه بلا رحمة…

“الله يخليك يا بابا خلينا ننقذه وناخده البيت نربيه؟!”

وبدأ الحوار حول الفكرة مع مراقبة للفأر وحركته عن كثب… ليرمي له أحد الأطفال الآخرين قطعة من البسكويت.. وآخر يقذفه بحجر كاد يودي به… وثالث يحاول أن….

رفعت رأسي نحو السماء لأعود لمتابعة الغروب الذي أتيت من أجله وإذا به قد فات! أعدت نظري بحسرة للفأر الذي شغلني وإذا به قد لفظ إنفاسه الأخيرة…

تأملت بعدها عن كمية “الفئران” في حياتنا التي تشغلنا عن عيشها …

فكم من “فأر” يشتت إنتباهنا عن جمال الحياة، لنركز عليه نظرنا حتى تفوت اللحظات الجميلة بلا عودة…

يقول ديل كارنيجي: “سجينان نظرا من خلف القضبان… أحدهما رأى النجوم والأكوان… والآخر لم يرى إلا الأطيان”

كذلك هي فئران حياتنا… تشتت إنتباهنا فتفوتنا لحظاتها الجميلة لتغرب مع شمس ذلك اليوم بلا رجعه… نركز عليها ونتابعها عن كثب، نحاول قتلها أوملاحقتها وأحيانا أخذها لبيوتنا الداخلية لتربيتها… بل حتى أننا نطعمها من “بسكويت إهتمامنا بها”…. فتكبر لتأكلنا بهمومها وغمومها… ناسين أن لها رب يتولاها، حتى يأتيها اليقين لتلفظ أنفاسها الأخيرة وتتركنا متحسرين على ما ضيعناه عليها من وقت ثمين فنقول في أنفسنا “يا خسارة الوقت اللي ضيعته عليها”

تتنوع الفئران في حياتنا… إلا أن حلولها محدودة… الضمغ أو المصيدة… وكلا الحلين لا يتطلب وجودنا… فبعد أن “نأخذ بالسبب” في شراء أي منهما ووضعهما في “ثغرة” إستراتيجية يتردد عليها “الفأر”… كل ما علينا هو أن “نتوكل على الله” وندعوه أن يذهب فئراننا التي أشغلتنا…. لنعود بنظرنا للسماء ونراقب الغروب حامدين الله على يوم جديد جميل!

دمتم بحب

تابعني هنا – Follow me here