منذ فترة ليست بالقريبة، أعدت إرسال تغريدة من أحد من أتابعهم يداوم على كتابة مقولات لسيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه… لا أذكر ماهي العبارة تحديداً، غير أنها بدأت بـــ “يقول الإمام علي عليه السلام:….”
فوجئت بأحد متابعي ينهال علي بعبارات من النصح… لم أفهم السبب بادئ الأمر، لكنني حين أكملت قراءة النصائح اكتشفت أن ما أستوقفه كان عبارة “عليه السلام”.. والحجة حسب قوله، أن تلك العبارة لا تستخدم إلا مع الأنبياء كـ “موسى عليه السلام… وإبراهيم عليه السلام…”
لم أكن من الطلبة الناصحين في مادة النحو والصرف، لكنني لا أذكر أننا تطرقنا لأن حرف الجر “على” يضيف قدسية أو يزيلها حسب مكان وضعه في الجملة! فعلى سبيل المثال: قولنا: “عليه السلام” يختلف عن “السلام عليهم”، ففي الأولى على ما يبدو لي أن “السلام” خاص بالأنبياء… أما في الثانية فهو لعامة الناس!
ما يحزنني أننا بتنا نركز على الرموز من الأعمال والأقوال ونترك الجواهر، ناسين أن السلام هو تذكير يومي لنا بالله السلام… وأنه سبحانه يسلم ويصلي علينا كلما صلينا وسلمنا على حبيبه المصطفى: “من صلى عليّ صلاة، صلى الله عليه بها عشرة” وأن موقع حرف الجر لا يشكل أي فرق غير أن تغييره، عند البعض خارج عن المعتاد وكاسر للبرمجة التي إعتدنا عليها طوال عمرنا…
أصبح السلام، كلمة نرددها دون أن ندرك مدى عمقها… حتى باتت فاقدة لمعناها وروحها… مستهلكة من تكرار نطقنا لها في اليوم والليلة… فشرعنا نعطيها طابعاً عصريا ظناً منا أنه نوع من التجديد …. “سلملم… سلامؤمؤ… سلامولي…”
تأملت فيها وأنا أنطقها البارحة، وكأنني أنطقها لأول مرة في حياتي…
تبدأ بولادة يسيرة غير عسيرة … بالحد الأدنى من حركات فمنا… بهمسة من حرف السين…. “ســـــــــــ” …. تخرج معها نفحة هواء رقيقة يرافقها صفير بالكاد يسمع، لكنه يلفتك إليه رغماً عنك… أشبه بالصوت الذي يصدر من نافذة غير محكمة الإغلاق جراء دخول الهواء من أحد أطرافها… لتنبه كل من يسمعه بمكانها حتى وإن لم يعلو صوتها… فيلتفت تجاهها سريعاً … ليصافحها بيد تغلقها لتودعها أو تفتحها لتستزيد من نسيمها العليل….
“ســلــــــــ….” ثم لام تلين لها القلوب، تخرجها لمسة خفيفة من طرف اللسان لأعلى الحلق، لتحلق بقائلها ومستقبلها إلى الألف الممدودة التي تتبعها…
“سلاااااااا…” المدة ذات الموجة الشافية، والذبذبات الباعثة للراحة والطمانينة، كالتي نكررها دوماً في إسم خالقنا حين نمده… اللــــــــــــــــــــه… نزفر معها أنفاسنا لنخرج كل ما يؤرقنا ويزعجنا ولنختم بهمهمة حرف الميم…. “ســـــلامـــــــ…” التي يرددها المتأملون لتطمئنهم وتوحد طاقاتهم مع طاقة الكون الأزلية التي خلقها لنا الله….. سبحانه ما أعظمه….
سلام… هو عنوان لحملات لردع الظلم، تقوم في أرجاء الأرض… وفي أرجائنا…
سلام… هو ما نقضي حياتنا بحثاً عنه داخل أنفسنا وخارجها…
سلام… هي تحيتنا التي نلقيها ونرد بها على الأقارب والأغراب… “السلام عليكم…. وعليكم السلام”، وحتى إن لم يشاركونا ديننا “سلام على من إتبع الهدى”.. وحتى على أمواتنا “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”
سلام… نجمعها لنطمئن بها على مرضانا “سلامات”… ونؤنثها لنودع بها أحبابنا: “بالسلامة”
سلام… هي ما نعبر به عن إعجابنا: “يا سلاااااااااام”، واستغرابنا: “يا سلام!”
سلام … هو اسم خالقنا وبارئنا “السلام”
سلام… هي آخر أربعة أحرف من ديننا…
سلام… أول ما يقال لنا عند دخولنا دار السلام (الجنة) “…. سلام عليكم، طبتم فادخلوها خالدين”
سلام … ليست مجرد كلمة عارضة نرددها أو نختلف في طريقة إستخدامها… بل هي أسلوب حياة متكامل… يبدأ من جذورنا، ويكبر معنا حتى يثمر في كلماتنا الرقيقة … ومعاملتنا الحسنة… وإبتسامتنا العذبة… وحبنا الصادق… لله السلام ولكل ما خلق…
هي شريعة أزلية… وميثاق مقدس… تتبعه كل الأعراق والأديان… إلا أن الباري خصنا به في ديننا الذي أكمله لنا… لنعيش مسلمين.. مسالمين… ولننشرالسلام والمحبة في الأرض… لتكون رسالتنا في حياتنا… وما ينتظرنا عند لقاء خالقنا…
هي السلام
فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم … وعليكم أجمعين
تابعني هنا – Follow me here