لا زلت أذكر تلك الأشواط اللانهائية التي كنت أطوفها أثناء رحلة بحثي اليومية عن موقف لسيارتي…

تلك الرحلة التي إستمرت لخمس سنوات متتالية عشتها في جامعة البترول والمعادن بمدينة الظهران، كانت “تعكنن” علي صباحي كل يوم! وخاصة إن كانت وجهتي هي حضور حصة في أعلى قمة “الجبل”! دعني أوضح هذه النقطة قليلاً… فمن بين كل الأراضي الفضاء المترامية الأطراف في المنطقة الشرقية من المملكة، إلا أن الإختيار (الذي لا أفهمه حتى اليوم) قد وقع على ذلك الجبل اليتيم، ليتم تبنّيه فتبنى عليه مباني الجامعة، فنضطر إلى “التسلق” كل يوم… طلباً للعلم! وبما أن المباني تقع على قمة جبل فهذا يعني أن المواقف كانت شحيحة… إلا تلك لم تكن أساس المشكلة عندي…

فلفترة من الزمن، ترسخ لدي إعتقاد بأن الجبل لم يكن مصدر “النحس” في عدم عثوري على موقف لسيارتي… ودليل ذلك بكل بساطة، توفرها لغيري وبوفرة… فما أن ألمح موقفاً عن بعد حتى تسارع سيارة أخرى بملئه! إحساس خانق أعتقد أنك شعرت به من قبل وخاصة إن كنت على عجلة من أمرك… لكن ذلك لم يكن واقع صديقي: أسامة بشناق…

فمما كان يظهر لي أن “ملائكة الحظ” كانت تحفه دوماً أينما قاد سيارته… فبمجرد دخوله لأي مبنى، تبدأ السيارات الواحدة تلو الأخرى بالتساقط من المواقف أمامه ليتخير منها وبكل أريحية ما يناسب ظرفه في ذلك اليوم… ففي اليوم الذي يكون فيه على عجالة من أمره، فإن أقرب موقف لبوابة الدخول يبدأ بمناداته…

وفي محاولة مني لتفسير تلك الظاهرة العجيبة، جربت الركوب معه علّي أكتشف سره الذي يخبأه… ولست متأكداً إن كنت أفعل ذلك تشكيكاً فيه أو محاولة مني “لصيده” وهو يفشل في إيجاد موقف… لكنه كان ينجح في كل مرة بلا إستثناء!

حاولت “فك النحس” بإستخدام المنطق بأن أسلك بسيارتي نفس الطريق الذي يسلكه لعلي أجد موقفي المنتظر… لكن بلا فائدة… وجربت “الفهلوة” أيضاً بأن أسابقه إلى المبنى قبل بدء الحصة بزمن… ليصل هو بعدي ويقطف الموقف قبلي وينتهي بي الحال بإيقاف سيارتي بعيداً وبتأهبي لأن “أدقها كعابي”!

لست متأكداً إن كان أسامة يعلم بكل الخطط التي كنت أحيكها من وراء ظهره… لكنني أكتب هذه التدوينة اليوم لأكشف له عن ما بداخلي ولأشكره على درس لن أنساه…

ما تعلمته من أسامة أن الحياة بكل أهدافها لا تختلف عن ذلك “الموقف”!

فلا يوجد شئ إسمه “نحس” إلا إن آمنت بوجوده… وإن حاولت تحقيق هدفك بأن تتذاكى “على القدر” بإستخدام المنطق أو الفهلوة الخرقاء، فتأكد أن الفشل سيكون مصيرك المحتم!

لست أقول ذلك مقللاً من شأن العمل والجد… أبداً… فهما الوسيلة لتحقيق كل أهدافنا الحياتية بلا إستثناء… وكما قيل: “من جد وجد، ومن زرع حصد”… ومن غير الواقعي مثلاً أن تجد “موقفك” دون أن تخرج من بيتك، وتشغل سيارتك وتنطلق لوجهتك… لكن ما أقصده أن هناك أشياء أهم وأعلى أولوية من ذاك كله… ألا وهما “اليقين و النية”!

فما أجزم به اليوم أن أسامة، سواء كان يعلم بذلك أم لا، كان لديه اليقين بأنه وبمجرد وصوله إلى محطته سيجد موقفه في إنتظاره… لأنه قد أطلق نيته لتسبقه باحثةً له عن “موقف”، ولتسيّر له الظروف أياً كانت ليتمكن هو وبأبسط مجهود ممكن أن يحقق مراده!

اليقين والنية هما المفتاحان اللذان يستطيع المرء بهما أن يفتح أي باب… أو أن يغلقه!

فالبعض منا لديه إعتقاد جازم ويقين راسخ بأن: الحياة ما هي إلا “دار شقاء وكد ونكد وتعب”… وهو صحيح إن إعتقد أنها كذلك… لكن ذلك يمثل واقعه هو فقط! وسيكتشف أن “مواقف” حياته كلها مليئة “بسيارات” أخرى أو أن “فرص” حصوله عليها ستختطف من قبل آخرين بمجرد إقترابه منها… وحتى إن وجد الموقف المناسب فسيفاجئ بلوحة “ممنوع الوقوف” بجانبه! بإختصار، الدنيا ستغلق أبوابها في وجهه!

2341

أما البعض الآخر فمؤمن بأن: “الحياة حلوة… بس نفهمها” وهو صحيح أيضاً إن أيقن أنها كذلك… “وبنظارة” يقينه تلك سيرى الدنيا زهرية، والحياة جميلة سهلة يسيرة… وسيطلق نيات إيجابية تسيّر حياته دوماً نحو الأفضل… ليرى كل الأماكن صالحة للوقوف…

أسامة، والذي لقبناه لاحقاً “بأسامة موقف” كان يستخدم معادلة بسيطة جعلته يستحق اللقب بكل جدارة… معادلة صالحة لتحقيق أي هدف تطمح إليه… مهما بدى بعيداً أو مستحيلاً… معادلة تأتي في الأهمية قبل “من جد وجد… ومن زرع حصد”:

فقد كان يزرع “نيات” (أهداف) يريد تحقيقها، في أرض سمّدها “بيقين” صافٍ غير صناعي بأن أهدافه ستتحقق لا محاله، ليأتي هو وبأقل مجهود ممكن فيحصد ما زرع ويستمتع بثمرة النجاح!

بإمكان أيٍ منا أن يصبح “أسامة موقف” وفي كل أمور حياته… إن أراد ذلك! كل ما عليه هو أن يعقد النية الصافية، ويوقن بما لا يقبل الشك أن هدفه سيتحقق، ثم يبدأ بالعمل… متوقعاً المعجزات!

تذكر: الحياة حلوة… بس نفهمها!

شكراً أسامة… موقف (:

 تابعني هنا – Follow me here