Noor Azzony | نور عزوني

~ Alchemist | Spiritual Guide | Teacher | Writer

Noor Azzony | نور عزوني

Category Archives: Ego – إيجو

#أنت_وش_أنت

27 السبت يوليو 2013

Posted by Noor Azzony - نور عزوني in Ego - إيجو, Meditations - تأملات

≈ 4 تعليقات

تكرم الله علي بفضله ومنه بأن رزقني إبنة معافاة في شهر رمضان الكريم… “دانة”، الإسم الذي إختارته لها أختها “صبا” التي تكبرها بأربع سنوات، أضاءت علينا العالم مرة أخرى بتذكيرها لنا بعظمة الخلق والخالق، سبحانه ما أعظمه!

وقبيل أن تقرر الخروج من بيت الرحم إلى بيت الرحمة، تهاوت علينا التعليقات والتساؤلات من معظم من يحيطون بنا:

“الله يعينكم على الغيرة من أختها الكبيرة، حتجي البيبي وتاكل عليها الجو!”

“حتحبوا مين أكثر، هيا ولا أختها؟!”

“تتوقعوا مين حيطلع أحلى، صبا ولا دانة؟”

وانتقلت العبارات بعد ولادتها لتنهال على “صبا” التي وقفت لا تدري عما يتحدثون، ولا كيف تجيب عن أسألتهم التي لم تخطر لها على بال قط:

“ما شاء الله تبارك الله عليها قمر والله… بس إنتي يا صبا أحلى!”

“مين تحبي أكثر ماما ولا بابا ولا دانة؟”

“مين أحلى يا صبا إنتي ولا أختك؟”

“صبا” التي تقف محتارة في كل مرة تطرح عليها تلك الأسئلة ولا تملك إلا أن تجيب عليها بإبتسامة بريئة وكأن لسان حالها يقول: “إنتوا إيش بتقولوا؟ هوا يعني إيش غيرة؟! ترى هذي أختي ومافي فرق بيني وبينها!”

كل تلك العبارات والسؤالات تركتني في عجز عن التصرف أو التعليق على ما “يزعمون” من أحاسيس الغيرة والصعوبات التي (حسب خبرتهم!) حتماً سنواجهها وستكون أكبر تحدي في تربيتنا لأطفالنا… وتركتني أتسائل: هل حقاً يغار الأطفال من بعضهم البعض “بفطرتهم”، أم هل ترانا نحن من يبرمجهم على ذلك؟

discrimination

موقف صبا حل لي لغزاً لموقف سابق حصل لي أثناء زيارتي لأحد الأصدقاء في مقر عمله… ففور وصولي إلى البوابة، إستوقفني رجل الأمن المسؤول ليطلب مني تصريح الدخول الذي لم يكن لدي، فقام بدوره بالإتصال بمن في الداخل ليرى إن كان بإستطاعته إدخالي إلى الموقع…

وفي لحظات الإنتظار التي بدلاً من أن نملأها بالإستغفار، ندردش لنملأها “بأي كلام فارغ” لنقتل به، بزعمنا، بعضاً من الوقت… بدأ حارس الأمن يرمقني بنظرات “شيل وحط” قبل أن يبادرني بالسؤال:

“على فكرة… أنت… وش أنت؟!”

نظرت إليه بتعجب محاولاً الإجابة على السؤال الذي لم يطرح علي من قبل، وأثناء تلعثمي في بحر الأفكار التي بدأت تعصف بذهني بحثاً عن شاطئ إجابة، إنطلق جرس الهاتف ليكسر حاجز الصمت وينقذني من حيرتي، ليشير إلي حارس الأمن بيده سامحاً لي بالدخول.

يا ترى من الذي برمجنا على المقارنة وأننا أفضل أو أسوأ، أو أبيض أو أسود، أو أعز أو أحقر من غيرنا؟!

من الذي باعنا تلك الفكرة التي حذرنا منها الله تعالى في كتابه الكريم ذاكراً لنا في غير ذي موضع، أنها هي التي تسببت في طرد إبليس من الجنة لأنه أبى أن يسجد لمن هو “في نظره” أسوأ منه: “أأسجد لمن خلقت طيناً؟”

كيف نشأت الطبقية التي قسمت البشر إلى أعراق وألوان ودول، لتصنع حواجز وهمية دمرت الوحدة الإنسانية…

من أين جائت تلك العنصرية التي نراها في الآخرين، وننسى أن “كلاً يرى الناس بعين طبعه”:

“يا خي والله البدوعنصرييييين!”

و

“والله ما ضرنا إلا ذولي الطروش!”؟؟

و

“والله الخيلان السود هم أساس كل بلاء!”

من أين نشأت عبارات كـ:

“إنت إيش تعود” … “إنت وش فخظك!” … “إنتا شريف ولا سيد؟” … “إنت خضيري أم قبيلي!”

العنصرية التي نهانا الرسول المصطفى عنها بقوله:”دعوها فإنها منتنة”… أهي من الفطرة التي قال عنها عليه الصلاة والسلام: “كل ابن آدم يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”؟؟

هيهات أن تكون العنصرية من الفطرة!

هي ثقافة من صنع أيدينا…

ورثناها عن آبائنا… ونسبناها ظلماً وبهتاناً لـ “فطرة الله التي فطر الناس عليها”… تعالى الله عما نقول…

ثقافة نزرعها في أبنائنا منذ نعومة أظفارهم بعبارات قد لا نلقي لها بالاً، تهوي بقلب صاحبها ومستقبلها في حفرة لا قرار لها:

“تحب مين أكثر، ماما ولا بابا؟!”

“مين أشطر إنت ولا أخوك؟!”

“مين أحلى إنتي ولا ماما؟!”

وآلاف الكلمات “الخبيثات” التي نبذرها في أنفس فلذات أكبادنا لتكبر معهم “كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار” … لا تثمر إلا حقداً وحسداً…

الأطفال، أحباب الله، لا يغارون!

أرواحنا نفخة من روح الله تعالى، لا مكان للغيرة أو الحسد أو الحقد فيها…

 والإنسان الذي فضله الله تعالى على سائر خلقه مجبول بالفطرة على الخير والحب لا على التفرقة والمقارنة.

الحب هو أساسنا… وكل ما عدا ذلك فمن أنفسنا ومن الشيطان…

كل ما نراه ونسمعه ما هو إلا موروثات سلبية تقبلناها دون أن نسأل عن صحتها… إن تأملناها بدقة… لوجدنا دون أدنى شك…

أن: “أنت وش أنت؟” منشأها الحقيقي هو “تحب مين أكثر؟”

دمتم بحب

تابعني هنا – Follow me here

حين سرقني أبو الحسن…

10 الخميس يناير 2013

Posted by Noor Azzony - نور عزوني in Ego - إيجو, Letting Go - سلّم تسلم, love & unLove- حب ولاحب

≈ 10 تعليقات

في أوائل عشريناتي، سن الحماس والمغامرة، بدأت رحلتي في عالم التسويق وتطوير الذات، لأبحث عن مصادر جديدة في كل ما ومن حولي لتثريني… وفي أحد الأيام تلقيت إتصالاً من أخي وصديقي “بشر” يدعوني لحضور “جلسة ذكر” لشيخ شاب، يدعى “علي أبو الحسن”… لم أكن مهتماً وقتها بتطوير نفسي شرعياً، لكنني ذهبت على أية حال…

وبحكم أنني آتي أصلاً من مجتمع المدينة المنورة، فقد شكل ذلك لدي تصوراً عن شكل الجلسة: شيخ مسن بلحية طويلة يجلس على أرض المسجد أو على كرسي مرتفع كتلك التي يجلس عليها معلموا المسجد النبوي، يحيط به الكثير من طلبة العلم متوسطي العمر أولي الأشمغة اللامعقولة، بثيابهم القصيرة وكتبهم أو دفاترهم التي يدونون فيها ما يمليه عليهم الشيخ…

بعد أن أعطاني صديقي وصف المكان، طلب مني أن نلتقي عند المسجد لنصلي العشاء سوياً ثم نبدأ الدرس. وبعد أن فرغنا من الصلاة، فاجأني أن الدرس لن يكون في المسجد، إنما في بيت مجاورٍ له يسكنه أحد أصدقائه… إستغربت ذلك حينها لكنني لم أمانع…

حين وصلنا إلى الموقع، إستقبلنا “بدر” أمام منزله معجلاً بأن الدرس سيبدأ، وهنا كانت المفاجأة، فقد تحطمت لوحة توقعاتي عن “الدرس” إن صح أن أسميه كذلك!

كان الشيخ الأسمر، يجلس على كنبة في صدر صالون بدر، بثوب ملون، ولا شئ على رأسه إلا طاقية تقليدية، أحاط به من كل مكان شباب كؤلائك الذين تراهم يتسكعون في شارع “التحلية”، ببناطيلهم “الجينزية”، و “تيشيرتاتهم” التي تملأها الصور والعبارات الغربية، وشعورهم المكدشة أو المربوطة وراء رؤوسهم، ورقابهم التي لفتها السلاسل بدلاً من الأشمغة المرمية يمنة ويسرة، وأيديهم التي أحاطتها أساورٌ بدلاً من أن تحيط بقلم أو ورقة…

هالني ما رأيت، وكدت أن أخرج فوراً… لولا أن سرقني أبو الحسن…

aboalhasan

حين بدأ بالحديث بعد الصلاة والسلام على الحبيب، حل سكون غريب لم أعهده من قبل ولا في أي درس من دروس مسجد المصطفى عليه الصلاة والسلام… لم يقتصر على الأصوات وحسب، إنما تجاوزها ليسكن الأرواح… كلام عذب، وتعابير بسيطة بلغة مفهومة، ونكت بين الفينة والأخرى تضحك الروح وإن إكتفى الفم بمجرد التبسم… وحين قارب “الدرس” على الإنتهاء، وأُجهش “الشباب الكول” بالبكاء… ومنعتني قسوة قلبي في ذلك الحين من المشاركة إلا بدمعات معدودات سرقها مني أبو الحسن، قام الجمع يسلمون على بعضهم ويتحاضنون… تحيط بهم سكينة وحب لم أشعر بهما قط في حياتي… إكتفيت بمجرد المراقبة عن بعد… ولكنني لاحظت نظراته تتبعني… عرفني عليه صديقي “بشر”، فصافحته وأخذت رقم جواله…

جلست بعدها عدة أيام أحلل الموقف وأنخله، علي أجد الإجابة منطقية تفسر لي ما حدث… شباب “كول”، متدينون ومتأثرون، قلوبهم وجلة، أفواههم باسمة، ونفوسهم طيبة… لكن مناظرهم تخالف ذلك كله، “لو إطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولمئت منهم رعباً”، وكل ذلك لمخالفتهم المقياس الذي كنت أقيس به الآخرين… وأي شيخ ذاك الذي يجلس بين الناس دون كبر أو أن يعمل له حساب؟ يفرض على الجميع الصمت بأسلوبه وإبتسامته… دون أن يطلب ذلك بإسكاتهم ولا بتكشيرته…

لم أجد الإجابة فقررت أن أتصل على أبي الحسن، فرحب بي وطلب مني زيارته في مكتبه… الذي توقعت مرة أخرى أن يكون تقليدياً مبعثراً بمكتب بني عتيق أو مجلس أرضيٍ يقدم فيه القهوة والتمر… حتى سرقني أبو الحسن!

مكتب “مودرن” يحيط به البياض من كل جوانبه، وتشع فيه الشمس ليشع على كل من يدخله… جلست مع أبي الحسن، أحتسي قدحاً من القهوة والشوكولا، أثناء بحثي عن إجابات تعلل صحة مقياسي وتعيد إلي صوابي… لكنه سرق مني أسألتي… وأهداني بدلاً منها تحليلاً لشخصيتي… لم أشعر بالوقت معه… ولم أفهم ما قاله عني، لكنني إحتفظت بالورقة التي حللني فيها علي أفهمها يوماً ما…

دارت الأيام، وأنشغلت عنه وعن الدروس، حتى أتتني فكرة برنامج تدريبي جماهيري مميز، خفت أن أشاركها مع من أعرف فيسرق “أفكاري النيرة”، ففضلت أن أشارك بها أبا الحسن… تقدمت له بورقتي بحث تفصل الموضوع… أعجبه وقرر أن يساندني فيه…. لكنني لم أسمع منه بعدها، فظننت أنه جاملني ليشجعني…

فوجئت بعد عدة أشهر بإتصال من مركز تدريبي، يطلب مني المشاركة في برنامج جماهيري… حضرت أنا و “بشر”، لأفاجأ بوجود أبي الحسن، جلست بين الحضور، وبدأ المنظم بالحديث حول الموضوع… إختنقت، لم أستطع التنفس… كان يتحدث عن “فكرتي النيرة” مقرراً تنفيذها… صمتُّ رغماً عني… حتى أتاني الدور بالتعليق، لم أتمالك نفسي، فنظرت إلى أبي الحسن، وقلت: “كيف لي أن أشارك برأيي عن فكرة سرقها مني أبو الحسن؟!” وفررت هارباً من المكان مطعوناً في ظهري… لحق بي أبو الحسن ليوضح لي الأمر… لكنه لم يدركني…

لأسابيع تألمت، فكرت وحللت، فلم أجد جواباً شافياً يعلل فعلته بالأمانة التي أئتمنته عليها… حتى وردني منه إتصال يطلب مني لقائه في الحال… ذهبت إليه على مضض، وأخبرني أنني أخطأت الفهم… “سمعت” لكل ما أراد أن يقول، دون “إنصات”… خرجت من عنده مقرراً عدم العودة له ولا لقائه ولا السلام عليه…

مرت السنون، والموضوع يقتلني ولا أفهمه، فلا أنا أذكر تبريره ولا تعليله، ولا أستطعت على مشروعي بتنفيذه… فقررت نسيانه ودفنه في قبر واحد مع أبي الحسن…

تلقيت بعدها دعوة من صديق، لحضور مؤتمر في الغرفة التجارية، فقبلت… حين حضرت فوجئت بأبي الحسن كأحد المتحدثين… شعرت بتشائم كبير، وعبرة تخنقني… نظر إلي من بعيد فأشحت بوجهي تظاهراً بعدم رؤيته… تحدثت عنه بسوء لصديقي الذي حضر معي، محاولاً الفضفضة التي قد تخفف عني وتبقيني ثابتاً على كرسيي أثناء حديثه… كدت أخرج من القاعة، لولا أن سرقني أبو الحسن!

حين صعد على خشبة المسرح، لم يملأ القاعة شئ إلا التصفيق، الذي منعتني “الأنا” عنه، وقف ليتحدث عن الذوق… لكنه قبل أن يفعل، قرر أن يلطمني على الملأ ليفيقني، وقام إلي ليطعن ظلمة “الأنا” التي تسكنني، بخنجر سلامي من نور، يهز به كياني ويزعزع معرفتي بنفسي وبكل ما أعتقدت انني مؤمن به… كلماته صعقتني فحاولت الوقوف والفرار، لكن ضيق المكان وإكتظاظه منعاني… ولك أن تشاهد بنفسك:

فوجئت قبل عدة أيام وأنا أرتب أوراقي المبعثرة، بالورقة التي “حللني” فيها أبو الحسن… فصعقني ما رأيت… كل ما على الورقة، بخط يده وبيدي… هو ما أنا عليه اليوم…

الدكتور علي أبو الحسن، معلمي الروحي الأول، وأستاذي في الذوق، وصديقي… سرق مني خلسة كل ما لم أكن أحتاجه، ليبدله بكل ما من دوره أن يجعنلي أحيا “إنساناً”، بدلاً من أن أعيش كبشر… كتبت هذه التدوينة، آملاً في أن يقرأها… ويقبل عذري… ويقرر أن يعود ليسرق ما تبقى من ركام داخلي

دمت محباً يا حبيبي يا أبا الحسن

تابعني هنا – Follow me here

انت عارف أنا مين؟!

13 السبت أكتوبر 2012

Posted by Noor Azzony - نور عزوني in Ego - إيجو

≈ 3 تعليقات

حين كنت لا أزال أعمل في القطاع الخاص في 2003، كانت إحدى مميزات عملي قرب المسافة بينه وبين المنزل، مما يعني أنني كنت أستمتع بالخروج من منزلي قبل بدء الدوام الرسمي بـثلاث دقائق دون أن أشعر بتوتر أو قلق من ساعة البصمة التي قد تقضم من راتبي قضمة يتناسب حجمها طردياً مع عدد الدقائق التي تمضي بعد الثامنة والنصف! كما أنه كان بإمكاني أن أتلذذ بغداء شهي ساخن من يد والدتي الحبيبة بعد 7 دقائق فقط من إنتهاء الدوام (7 دقائق عشان سرا البصمة والناس جيعانة!!)… ناهيك عن مشوار إستخدام الحمام في حال كانت الحمامات مشغولة أو عليها آثار أقدام جراء “دعس” أحد المسؤولين عليها ظناً منه أن “الإفرنجي” مثل “العربي” تستطيع أن تدعس عليه وتمضي دون ان “يحاسبك” أحد… أكرمكم الله!

عموماً، أن يكون مقر عملك قريبٌ من منزلك نعمة لا تستطيع أن توفي حق شكرها مهما فعلت، وخاصة إن كنت تسكن جدة. وأعتقد أنني أستطيع أن أعمم القاعدة على معظم المدن دون أن يلومني أحد، فالصباح الباكر عند الغالبية يعني الكثير من العصبية وضيق النفس، وخاصة إن سبق عملهم مشوار لتوصيل أطفالهم للمدارس. أما الخروج في نهاية الدوام فلا يختلف كثيراً: توتر وفوضى عارمة في الشوارع تعتمد نسبتها على عاملين: مستوى الجوع، وبعد المسافة.

وبالرغم من عدم تأثير العوامل السابقة على يومي بأي شكل من الأشكال للسبب الذي ذكرت آنفاً، إلا أن هناك ثمة نوع من الناس يكسرون حاجز الصمت والسمت لديك مهما كنت متماسكاً ومؤدباً!

بدأت القصة في أحد الأيام  الصيفية الحارقة أثناء إستعدادي “للفكاك” في “بريك الغداء”، خرجت بكل طمأنينة وشغلت الراديو إستعداداً للرحلة التي لم أستطع يوماً أن أكمل سماع إغنية كاملة أثنائها، وعند وصولي إلى المنزل فوجئت بسيارة تملأ موقفي الذي وضعت عليه لوحة تقول “موقف خاص شقة رقم 4”. في العادة، لا أمانع من البحث عن موقف بديل إلا أن المواقف في حيّنا كانت شحيحة والشوارع ضيقة. سألت حارس العمارة عن صاحب السيارة، فأخبرني أنه ضيف عند الجيران. نزلت من سيارتي وضغطت الجرس الإنترفون وأخبرت من رد بكل أدب و إحترام أن ضيفهم يقف مكاني. أجاب علي على عجالة “طيب طيب نازل نازل…”

عدت إلى سيارتي لأنتظر وأستظل من حر الشمس والرطوبة التي بدت كـ “ساونا” آنذاك. وبعد مضي بضع دقائق بدأ “الفار يلعب في عبي”… فنزلت لأدق الجرس ثانية و أذكره، عله نسيني. رد علي نفس الشخص، لكن هذه المرة بصوت يخرج من فم مليئ بالطعام… “…مممم … ياخي صبر صبر، مو قلنالك نازلين!”، أخبرته بنبرة إعتذار وتأنيب لنفسي أن الجو حار وأنه لا يوجد موقف آخر وإلا لما انتظرت ولا حتى طلبت منه الخروج… لكنني فوجئت انني أكلم نفسي… إذ أنه أكمل جملته وذهب…

عدت إلى سيارتي بصمت ومؤشر الغضب بدأ في الإرتفاع اعلى من حرارة “ريديتور” السيارة في فصل الصيف! لكن المكيف هدأ قليلاً من روعي، وحدثت نفسي أنه قد يكون معذوراً أو لديه ظرف منعه من النزول… أشغلت نفسي بالراديو أتنقل من محطة إلى أخرى (كان في محطتين فقط!!)

وبعد ربع ساعة… شرف المحروس… فوجئت برجل ذو وجاهة (بين قوسين “كرش”) ينزل الدرج متبختراً مرتدياً ثوباً مغربياً كعريس يخرج من منزله لأول مرة بعد أول ليلة زواج… كان يغطي وجهه بيديه ليستظل من الشمس التي جهرت نظرته الساخرة التي بادرني بها… خرجت من سيارتي وأنا أكاد أنفجر “ترى ليا ربع ساعة بأنتظر حضرتك… ولو كان في موقف تاني كنت وقفت ولا أزعجتك لكن إنت شايف الوضع”، أعاد إلي نفس النظرة، لكن هذه المرة مع إبتسامة صفراء وقهقة مصطنعة خفيفة، كالتي تخرج من فم الأشرار في أفلام الكرتون… ثم قال:

“إنتا عارف انا مين؟!”

بصارحة، لم أعرف كيف أجيب لأنني حاولت بكل خلايا عقلي أن أربط سؤاله بأي طريقة للموقف الذي يحصل الآن… فقلت بكل بلاهة “لا و الله ما اتشرفت”… فأعاد تلك القهقة مرة أخرى إنما بصوت أعلى هذه المرة ثم قال:”ترى أنا إنسان مهم في المجتمع… ومعروف كمان…”

تأكدوا تماماً انني مهما حاولت التعبير فلا أظنني سأستطيع وصف ملامح وجهي لكم في تلك اللحظة… لكنني عرفت الآن ما معنى عبارة “شعور مختلط” حينما يسألك شخص ما سؤالاً غبياً فتبادره بإجابة أغبى منه!

وقبل أن أنفجر من غضبي إستوقفني بإشارة من يده ظناً منه أنه سيهدأني وقال:”معاك الدكتور……. من جامعة الـ……”

طبعاً “دورني” بالعامية… لأنني لا أذكر ماذا قلت حينها من عبارات كتلك التي تطلقها الراقصات التي يعشن في الأزقة بحواري مصر القديمة…مثل: “نعم يا خويا…” متبوعة بشهقة ثم حركة بسبابتين مجتمعتين تارة ومتفرقتين تارة أخرى ألوح بهما يمنة و يسرة…. “ترى الدكترة ما فادتك بشئ…”

الغريب في الموضوع أنه عاملني كأنني أنا المذنب… نظر إلي بإبتسامته الساخرة مرة أخرى وربت على كتفي مرتين قائلاً
“معليش معليش…” وأعطاني ظهره وهو يكرر تلك القهقهة البلهاء التي ما زلت أسمع صداها كلما تذكرت هذا الموقف….

استخدمت هذه القصة في كثير من التدريبات التي ألقيها لأوضح الفرق بين: العلم… والوعي. ما تربينا عليه في صغرنا أن الدرجة العلمية يجب أن تنعكس على سلوك التعامل اليومي لحاملها… وأنه (هو أو هي) حينما يخطئ أو يذنب نظن أن المنصب أو المسمى سيشفع له أو يخفف عنه العقوبة… إلا أن هذا الموقف وكثير غيره، غير نظرتي تماماً!

في الحقيقة لا علاقة بين المستوى العلمي لدى الناس ومستوى الوعي… أنا متأكد أنك سبق وأن إلتقيت برجل كبير في السن، قد يكون أمياً، لكنه ناجح في تجارته و كريم في أخلاقه، بشوش ومحبوب، يستأنس الكل بقدومه… وفي المقابل، قد تكون أيضاً إلتقيت بشخصية معروفة، ذات منصب عالٍ، وحرف لماع قبل إسمه/ها، إلا أن أخلاقه وتعامله لا يكاد يزن “فصفصه” على ميزان خضار قديم عاث فيه الصدأ فساداً من كل جانب!! (أتحمست بزيادة!)

خطأنا اننا ربطنا العلم بالوعي… فنتعجب إن أخطأ هؤلاء ونستنكر عليهم قائلين… “لا لا، فلان ما يسوي كذا، هذا دكتور…” أو مهندس، أو مدير شركة، أو غني… إلخ. لكي تعيش مرتاحاً مع نفسك ومحبوباً من الآخرين عليك أن تساوي كفيتي ميزانك بقدر المستطاع… هذا لا يعني أن العلم لا يفيد وحده أو أن الوعي لا قيمة له بمفرده… أبداً… إلا أن إرتفاعهما سوياً سيؤدي بك إلى أن تكون كالحبيب المصطفى “كان خلقه القرآن”… وهو، عليه أفضل الصلاة والسلام، بالرغم من أميته في القراءة و الكتابة، إلا أنه جمع كمالي العلم والوعي…

مشكلة العلم الذي لا لم يجمع بالوعي أنه يغلب على صاحبه “الأنا العالية” … “الإيجو”… الذي يصنع فيه فوقية قاتلة… توهمه أنه محبوب ومهم وان الناس لا يستغنون عنه… إلا أنه في الواقع مكروه من كل من يقابل… معظم من يحيطون به يضطرون إلى تصنع مشاعرهم و تعابيرهم لإرضائه… وينتظرون بفارغ الصبر اللحظة التي “يفكهم من شره ويمشي”

من متضادات الحياة… أنك غن أردت شيئاً فأعمل عكسه… فإن أردت أن تدخل العظمة من أوسع أبوابها… فتأكد أن مفتاحها التواضع

وكما يقول سيدي رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم: “من تواضع لله ….رفعه”

للحديث بقية…

تابعني هنا – Follow me here

إنضم للقائمة البريدية ليصلك جديد المدونة:

انضم مع 6٬910 مشتركين

أحدث التدوينات

  • لحظة
  • وبعدين
  • هواه
  • أربعون
  • أن تكون

الأرشيف

  • سبتمبر 2017
  • فبراير 2017
  • أكتوبر 2016
  • أغسطس 2016
  • فبراير 2016
  • ديسمبر 2015
  • سبتمبر 2015
  • يوليو 2015
  • أبريل 2015
  • مارس 2015
  • يناير 2015
  • نوفمبر 2014
  • أكتوبر 2014
  • أغسطس 2014
  • يوليو 2014
  • يونيو 2014
  • مايو 2014
  • ديسمبر 2013
  • نوفمبر 2013
  • أغسطس 2013
  • يوليو 2013
  • يونيو 2013
  • أبريل 2013
  • مارس 2013
  • يناير 2013
  • ديسمبر 2012
  • نوفمبر 2012
  • أكتوبر 2012
  • سبتمبر 2012

التصنيفات

  • Ego – إيجو
  • Here&Now – هنا والآن
  • Letting Go – سلّم تسلم
  • love & unLove- حب ولاحب
  • Meditations – تأملات
  • Uncategorized

منوعات

  • تسجيل
  • تسجيل الدخول
  • إدخالات الخلاصات Feed
  • خلاصة التعليقات
  • WordPress.com

التصنيفات

Ego - إيجو Here&Now - هنا والآن Letting Go - سلّم تسلم love & unLove- حب ولاحب Meditations - تأملات Uncategorized

إنشاء موقع على الويب أو مدونة على ووردبريس.كوم

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط: يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط. وتعني متابعتك في استخدام هذا الموقع أنك توافق على استخدام هذه الملفات.
لمعرفة المزيد من المعلومات – على غرار كيفية التحكم في ملفات تعريف الارتباط – اطّلع من هنا على: سياسة ملفات تعريف الارتباط
  • تابع متابع
    • Noor Azzony | نور عزوني
    • انضم 47 متابعون آخرين
    • ألديك حساب ووردبريس.كوم بالفعل؟ تسجيل الدخول الآن.
    • Noor Azzony | نور عزوني
    • تخصيص
    • تابع متابع
    • تسجيل
    • تسجيل الدخول
    • إبلاغ عن هذا المحتوى
    • مشاهدة الموقع في وضع "القارئ"
    • إدارة الاشتراكات
    • طي هذا الشريط
 

تحميل التعليقات...