تكرم الله علي بفضله ومنه بأن رزقني إبنة معافاة في شهر رمضان الكريم… “دانة”، الإسم الذي إختارته لها أختها “صبا” التي تكبرها بأربع سنوات، أضاءت علينا العالم مرة أخرى بتذكيرها لنا بعظمة الخلق والخالق، سبحانه ما أعظمه!
وقبيل أن تقرر الخروج من بيت الرحم إلى بيت الرحمة، تهاوت علينا التعليقات والتساؤلات من معظم من يحيطون بنا:
“الله يعينكم على الغيرة من أختها الكبيرة، حتجي البيبي وتاكل عليها الجو!”
“حتحبوا مين أكثر، هيا ولا أختها؟!”
“تتوقعوا مين حيطلع أحلى، صبا ولا دانة؟”
وانتقلت العبارات بعد ولادتها لتنهال على “صبا” التي وقفت لا تدري عما يتحدثون، ولا كيف تجيب عن أسألتهم التي لم تخطر لها على بال قط:
“ما شاء الله تبارك الله عليها قمر والله… بس إنتي يا صبا أحلى!”
“مين تحبي أكثر ماما ولا بابا ولا دانة؟”
“مين أحلى يا صبا إنتي ولا أختك؟”
“صبا” التي تقف محتارة في كل مرة تطرح عليها تلك الأسئلة ولا تملك إلا أن تجيب عليها بإبتسامة بريئة وكأن لسان حالها يقول: “إنتوا إيش بتقولوا؟ هوا يعني إيش غيرة؟! ترى هذي أختي ومافي فرق بيني وبينها!”
كل تلك العبارات والسؤالات تركتني في عجز عن التصرف أو التعليق على ما “يزعمون” من أحاسيس الغيرة والصعوبات التي (حسب خبرتهم!) حتماً سنواجهها وستكون أكبر تحدي في تربيتنا لأطفالنا… وتركتني أتسائل: هل حقاً يغار الأطفال من بعضهم البعض “بفطرتهم”، أم هل ترانا نحن من يبرمجهم على ذلك؟
موقف صبا حل لي لغزاً لموقف سابق حصل لي أثناء زيارتي لأحد الأصدقاء في مقر عمله… ففور وصولي إلى البوابة، إستوقفني رجل الأمن المسؤول ليطلب مني تصريح الدخول الذي لم يكن لدي، فقام بدوره بالإتصال بمن في الداخل ليرى إن كان بإستطاعته إدخالي إلى الموقع…
وفي لحظات الإنتظار التي بدلاً من أن نملأها بالإستغفار، ندردش لنملأها “بأي كلام فارغ” لنقتل به، بزعمنا، بعضاً من الوقت… بدأ حارس الأمن يرمقني بنظرات “شيل وحط” قبل أن يبادرني بالسؤال:
“على فكرة… أنت… وش أنت؟!”
نظرت إليه بتعجب محاولاً الإجابة على السؤال الذي لم يطرح علي من قبل، وأثناء تلعثمي في بحر الأفكار التي بدأت تعصف بذهني بحثاً عن شاطئ إجابة، إنطلق جرس الهاتف ليكسر حاجز الصمت وينقذني من حيرتي، ليشير إلي حارس الأمن بيده سامحاً لي بالدخول.
يا ترى من الذي برمجنا على المقارنة وأننا أفضل أو أسوأ، أو أبيض أو أسود، أو أعز أو أحقر من غيرنا؟!
من الذي باعنا تلك الفكرة التي حذرنا منها الله تعالى في كتابه الكريم ذاكراً لنا في غير ذي موضع، أنها هي التي تسببت في طرد إبليس من الجنة لأنه أبى أن يسجد لمن هو “في نظره” أسوأ منه: “أأسجد لمن خلقت طيناً؟”
كيف نشأت الطبقية التي قسمت البشر إلى أعراق وألوان ودول، لتصنع حواجز وهمية دمرت الوحدة الإنسانية…
من أين جائت تلك العنصرية التي نراها في الآخرين، وننسى أن “كلاً يرى الناس بعين طبعه”:
“يا خي والله البدوعنصرييييين!”
و
“والله ما ضرنا إلا ذولي الطروش!”؟؟
و
“والله الخيلان السود هم أساس كل بلاء!”
من أين نشأت عبارات كـ:
“إنت إيش تعود” … “إنت وش فخظك!” … “إنتا شريف ولا سيد؟” … “إنت خضيري أم قبيلي!”
العنصرية التي نهانا الرسول المصطفى عنها بقوله:”دعوها فإنها منتنة”… أهي من الفطرة التي قال عنها عليه الصلاة والسلام: “كل ابن آدم يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”؟؟
هيهات أن تكون العنصرية من الفطرة!
هي ثقافة من صنع أيدينا…
ورثناها عن آبائنا… ونسبناها ظلماً وبهتاناً لـ “فطرة الله التي فطر الناس عليها”… تعالى الله عما نقول…
ثقافة نزرعها في أبنائنا منذ نعومة أظفارهم بعبارات قد لا نلقي لها بالاً، تهوي بقلب صاحبها ومستقبلها في حفرة لا قرار لها:
“تحب مين أكثر، ماما ولا بابا؟!”
“مين أشطر إنت ولا أخوك؟!”
“مين أحلى إنتي ولا ماما؟!”
وآلاف الكلمات “الخبيثات” التي نبذرها في أنفس فلذات أكبادنا لتكبر معهم “كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار” … لا تثمر إلا حقداً وحسداً…
الأطفال، أحباب الله، لا يغارون!
أرواحنا نفخة من روح الله تعالى، لا مكان للغيرة أو الحسد أو الحقد فيها…
والإنسان الذي فضله الله تعالى على سائر خلقه مجبول بالفطرة على الخير والحب لا على التفرقة والمقارنة.
الحب هو أساسنا… وكل ما عدا ذلك فمن أنفسنا ومن الشيطان…
كل ما نراه ونسمعه ما هو إلا موروثات سلبية تقبلناها دون أن نسأل عن صحتها… إن تأملناها بدقة… لوجدنا دون أدنى شك…
أن: “أنت وش أنت؟” منشأها الحقيقي هو “تحب مين أكثر؟”
دمتم بحب
تابعني هنا – Follow me here